إن الله - سبحانه وتعالى- رفع أهل العلم على سائر الناس فقال سبحانه "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات".
وقال سبحانه "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع".
وما أحسن أثر العلماء في توجيه العامة وإفادتهم، وحمايتهم من ضلال الأهواء وفتنة الشهوات، وما أجمل جلوسهم إلى الناس وحديثهم معهم.
لكن هنالك أموراً تنغص على مهمة العلماء هذه، وهي كثيرة في هذا الزمان وإنا لله وإنا إليه راجعون.,
وليس من غرض مقالتي هذه الإتيان على هذه المنغصات وتبيينها لكنْ إنما أُعَرّج على أمر يسوؤني ويكدر عليّ ألا وهو ما صار إليه كثير من العلماء والمشايخ وطلبة العلم من مخالفة السمت الذين ينبغي أن يكونوا عليه، والزي الذي يحسن بهم أن يتزيوا به، وهناك جملة من هذه الأمور منها:
1. السمت المخالف لما عليه أهل العلم:
والسمت: هيئة أهل الخير، ويقال: ما أحسن سمته أي طريقته التي ينتهجها في تحري الخير والتزي بزي الصالحين، وهو – أيضاً - الزي الحسن والهيئة المثلى في اللبس وغيره.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "السمت الحسن والتُؤَدة والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة".
والتقصير في الالتـ زام بسمت العلماء صرنا نراه في كثير من طلبة العلم والمشايخ والعلماء، فتجده قد حلق لحيته أو أنهكها إنهاكاً يشبه الحلق، ولا يجد في هذا غضاضة ولا نقصاً، وأنا لا أريد هاهنا أن آتي على الحكم الشرعي في هذا الأمر فلهذا مكان آخر.
لكن إذا صنع العالم هذا فمن هو سلفه في صنيعه هذا؟ هل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته؟ هل هم علماء السلف والخلف؟ هل هم نجوم الأمة وعلماء المسلمين على مدار التاريخ؟ اللهم لا.
إنما دخل علينا هذا البلاء لما نـ زل الاستخراب العالمي بلادنا واحتل أرضنا وغيروا مفاهيم كثير منا، وإلا فمن مِن العلماء مَن حلق لحيته من قبل تلويث الغربيين لفكرنا وثقافتنا؟ وهذه صور العلماء الذين كانوا في أواخر القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين تظهر بوضوح ما أريد.
ولم يجترئ بعض العلماء وطلبة العلم على هذا الصنيع إلا في زمن متأخر من القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وبهذا الصنيع تضعف هيبة العالم، ويقل تأثيره في العامة، ولو تنـ زلنا جدلاً بأن إطلاق اللحية سنة ولا حرج على من حلقها أفلا يكون العلماء والمشايخ وطلبة العلم هم أولى الناس بمراعاة هذه السُنة والاهتمام بها، فإن حلقها هؤلاء فمن ذا الذي سيرعى هذه السُنة ويهتم بها؟!
ولا يقولن أحد إن هؤلاء الذين يصنعون هذا إنما هم عدد قليل بل هم عدد كثير رأيتهم من المحيط إلى الخليج، وفي تركيا - وإن كان أولئك مقهورين مكرهين في أكثرهم- وفي أماكن كثيرة في العالم الإسلامي وإنا لله وإنا إليه راجعون.
2. لبس اللباس الإفرنجي:
فترى المشايخ المتخصصين في التفسير وعلوم القرآن والعقيدة والحديث والفقه وأصوله وغير ذلك من العلوم يحبون اللباس الإفرنجي ويؤثرونه على لباس بلادهم وآبائهم وأجدادهم، وتجده يربط ربطة العنق ويُحْكِم البِذْلة فرحاً جذلان، فما هذا اللباس؟ ومن هو سلفه فيه؟
أنا لا أتحدث عن هذا اللباس من باب حكمه الشرعي فأنا أذهب إلى جوازه إن ضُبط بضوابط الشريعة، لكني أتحدث عن أمر آخر ألا وهو أن المشايخ لا ينبغي لهم، ولا يحسن بهم أن يلبسوا مثل هذا اللباس لأن هذا مضعف لهيبتهم بين الناس.
ومقلل من أثرهم، خاصة أن كثيراً من الناس ينظر إلى هذا اللباس على أنه لباس مرجوح مكروه، فهؤلاء يقوم بينهم وبين من يلبس مثل ذلك اللباس حاجز متين لا يعودون معه يتأثرون بأولئك المشايخ.
وما الضير في اللباس الأزهري الجميل؟ وما البأس في لباس الجبة الشامية الجليلة؟ وما أحسن لباس السودانيين، وما أفضل لباس المغاربة من البرانس والقُمُص، وكذلك لباس الجزائريين والتونسيين والليبيين.
وأَجْمِل بلباس اليمنيين وسائر أهل الجزيرة فلماذا يا عباد الله يلبس العلماء اللباس الإفرنجي "البِذلة"؟ ولماذا يربطون ربطات العنق؟ فما هذا اللباس المذكر لنا بلباس الاستخرابيين المحتلين الصليبيين؟
وما هذا السَمْت الذي يتساوى به المسلمون بغيرهم؟ فانظروا إلى الفارق الكبير في التأثير بين من يلبس ذلك اللباس العربي الإسلامي الأصيل وبين من يلبس ذلك اللباس الإفرنجي البغيض؟!
نعم إن هناك بعض من يلبس اللباس الإفرنجي ويكون لحديثه أثر ولكلامه وقع لكن كيف يكون حاله إذا أضاف إلى حلاوة كلامه جمال لباسه وحسن سمته وزيه؟!
3. فإذا انضم إلى لباس العالم لبستَ الإفرنج حلق اللحية والشارب فماذا بقي للعالم بالله بعد ذلك من أثر وتأثير؟
ولقد رأينا في الفضائيات وفي المحافل والمجامع والمؤتمرات والندوات أشخاصاً مثل هؤلاء لا تكاد تفرق بينهم وبين الفِرَنجة في شيء بل لا تدري ولا تستطيع أن تدري أن هذا من أهل العلم.
ـ ولم يكن أحد من العامة يجرؤ على لبس هذا اللباس قبل حلول الاستخراب ببلادنا ويعاقب على على ذلك إن صنعه بأشد العقوبات، فكيف اجترأ العلماء على هذا اللباس واستسهلوه بعد ذلك؟
إن السبب في هذا هو نشأتهم تحت حراب الاستخراب العالمي، فلما انقلع الاستخراب إلى الأبد إن شاء الله، وانزاح ظله الثقيل من بلادنا استمرأ كثير من طلبة العلم والعلماء هذا اللباس البغيض وأحبوه وتعلقوا به؟
وكان من المظنون بالعلماء والمشايخ أن يكونوا أسرع الناس إلى التخلص من كل آثار الاحتلال البغيضة.
ولا والله ما رأينا أحداً من علماء الغرب والشرق يلبس لباسنا ولا يتزيا يزينا لاعتزازهم بلباسهم فلماذا لا نعتـ ز بلباسنا يا عباد الله، خاصة أن فيه موافقة للباس أهل العلم قديماً وحديثاً؟ وأن فيه إحياء للباس التقليدي التراثي الموجود في كل بلاد العرب والإسلام؟ وأن فيه الاعتزاز بذلك كله.
وقد كان السلف على خلاف هذا؛ فقد كان الإمام أحمد يجتمع له في مجلسه زهاء خمسة آلاف، وكان منهم حوالي خمسمائة يكتبون والباقي يتعلمون منه حسن الأدب وحسن السمت.
وكان إبراهيم النخعي يقول: كانوا - أي الصحابة- إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إلى سمته وإلى صلاته وإلى حاله ثم يأخذون عنه.
وقال سُحنون، كنا نختلف عند البهلول نتعلم منه السمت.
ـ هذا وإن في اللباس الغربي تشجيعاً لطلبة العلم والمشايخ على التفريط في سائر جوانب السمت والهدي الذي ينبغي أن يكون عليه المشايخ وطلبة العلم، مِن حلق للحى والشوارب - كما مَرّ- ومن التدخين!!
ومن التهاون في الوقار والهيبة، ومن الاختلاط المخل بين الرجال والنساء وغير ذلك، بينما أهل العلم الملتزمون باللباس الإسلامي والوطني يكون على ظاهرهم هيبة وفي دواخلهم حاجز نفسي يمنعهم من تلك الأمور السابقة الذكر.
ويترددون في إظهارها لو ضلوا أو زلوا وهذا هو الأمر الغالب، ولا يمنع هذا التقرير أن يكون من الفريق الأول من هو أتقى وأحسن وأقوم من الفريق الآخر لكن إنما أبني كلامي على الأكثر الذي رأيت والشائع الذي علمت، والله أعلم.
فلذلك كله أدعو طلبة العلم والمشايخ والعلماء إلى نبذ اللباس الغربي إلى غير رجعة وإلى أن يعتزوا بلباسهم الإسلامي الوطني الذي به يعظم تأثيرهم وتُحفظ شخصياتهم، وأن يستمسكوا بسَمْت أسلافهم وهديهم والله الموفق.
الكاتب: الدكتور محمد موسى الشريف
المصدر: موقع التاريخ